غزة.. قانا فلسطين

غزة.. قانا فلسطين

عباس عيسى
صحيفة السفير اللبنانية 13/6/2006

تُذكرنا هديل غالية المفجوعة بعائلتها الشهيدة على شاطئ غزة بصيحات الطفل محمد ذيب يبحث عن أهله بين أكوام الجثث المتفحمة في قانا... وصراخ عباس جحا أمام أطفاله المضرجين بدمهم في إسعاف المنصوري... إلى نور العابد ابنة الأشهر... إلى صمت إسراء اللقيس... إلى كل شهداء هذه المجزرة الصهيونية بآلة الموت التي لا تشبع من دمنا... هديل ليست صورة في مشهد فلسطيني عابر... إنها صورة لهذا الواقع العربي بكل تجلياته القلقة... هذا الوجع الفلسطيني هو اختبار لمدى تحسس الأمة بقضيتها...

هل نكون بمستوى فلسطين وما تقدمه من شهداء وتضحيات في سبيل القضية العربية... هل نرتقي إلى مستوى التحدي الكبير فتعود فلسطين قلب القضية فلا يعود أطفالها حقل رماية لأبشع أنواع الأسلحة... ويتركهم هذا النظام العربي البائس لهذا القدر الرهيب غرباء على شطآن الزمن تلتهم النيران والرمال الحارقة أجسادهم الطرية ولا من يسأل.

إن انحناء طفل فلسطيني يعني انحداراً في واقع أمتنا كلها...

فهذا اللهيب الصهيوني يمتد بالتأكيد إلى كل مطارحنا، وعلينا أن نؤسس للموقف والقدرة على المواجهة كي لا نتحول إلى مشاريع ضحايا ننتظر دورنا في عراء هذا الزمن القاسي...

لن نتحدث عن المجتمع الدولي الذي حفظنا لغته عن ظهر قلب... وصرنا نردد تلقائياً ما نتوقعه من بيانات استنكار وتنديد وشجب ومفردات ضبط النفس وعدم الإفراط في استعمال القوة؟.

ما رأيناه في هذه المشاهد الدراماتيكية يستوجب إعادة النظر بكل الآليات القائمة التي يأتي في طليعتها وقف السجالات العقيمة التي تسود الساحة الفلسطينية والشروع في صياغة رؤية تستند لثوابت الموقف الفلسطيني، تتضمن في أولوياتها مواجهة سياسات الاحتلالات بدل محاولات تسجيل النقاط الوهمية فيما العدو يعرف نقاطه وأهدافه بدقة...

على المستوى العربي... لا يجوز أن يتحول النظام العربي أو بعضه إلى مؤسسات نعي وإحصاء جثث لأن المطلوب إطلاق مكامن هذه القوة العربية المغيبة المرتكزة الى التاريخ والتراث والثروات، ليكون لهذا الوطن العربي مكان بين الأمم... في مواجهة الهجمة الأميركية الصهيونية ومحاولات إعادة رسم خارطة المنطقة وفق مصلحة العدو الإسرائيلي وأطماعه التوسعية.

وهنا في لبنان، وليس بعيداً عن هذا الحزن الفلسطيني، هل نحن بحاجة بعد إلى فهم طبيعة هذا الكيان الغاصب وسلاح عدوانه؟...

من يحمينا من قانا جديدة ومن حزيران جديد سوى سلاح حقنا ووحدتنا وإيماننا بشراكة المصير مع أخوة تقاسمنا وإياهم الألم والأمل... لنصل الى لحظة لا نراها بعيدة نقول فيها: اليوم الجنوب وغداً فلسطين.
دماؤهم على شاطئ غزة وعلى امتداد هذه الأرض المقدسة تنبئنا بصبح قريب.